الأربعاء 18 ديسمبر 2024

إمرأة العُقاب بقلم ندى محمود

انت في الصفحة 2 من 216 صفحات

موقع أيام نيوز

جلست الصغيرة على المقعد وبدأت في ارتداء حذائها وأمها تساعدها في ارتدائه بشكل صحيح لكنها تصلبت بأرضها عندما سمعت سؤال صغيرتها وعيناها حزينة تقول 
_ هو إمتى بابا هياجي

________________________________________
يامامي وحشني أوي 
ثبتت نظرها على ابنتها وتنهدت الصعداء بخنق ثم مدت يدها وملست على شعرها مغمغمه بوداعة 

_ بابا مش هياجي دلوقتي يا هنا 
ما يقارب الشهرين وهي كلما تسأل والدتها عن أبيها تجيبها بإجابات غامضة وناقصة هكذا لا تفهمها وكأنها بدل أن تجيب تطرح عليها الأسئلة ! .
زمت هنا شفتيها للأمام بيأس وقالت 
_ طيب ليه مش بيكلمنا !
ليتها تستطيع الإجابة .. ليتها تتمكن من العودة له لأجل طفلتهم فقط ولكن ارتيعادها يزداد كلما تتذكر عزمه على أن يأخذ ابنتها منها فور طلاقهم مما دفعها للهروب بها ! .
ابتلعت جلنار ريقها وقالت بإيجاز وهي تهب واقفة 
_ يلا بينا اونكل حاتم مستنينا تحت كدا هنتأخر عليه
استقامت هنا واقفة وسارت مع أمها إلى الخارج وعلى ملامحها العبوس والحزن لا ترفع نظرها عن الأرض خرجت واستقبلت حاتم الذي كان بانتظارهم لفت نظرها الصغيرة التي لم تلقي عليه التحية بحرارة وتعانقه بسعادة ككل مرة بل اتجهت إلى السيارة واستقلت بالمقعد الخلفي بمكانها دون أن تنتطق وكانت معالم وجهها الحزينة تحكي بدلا عنها .
نظر إلى جلنار وهز رأسه باستغراب بمعنى ماذا بها ! لتتنهد الأخرى بضيق وتهز كتفيها لأعلى بعدم حيلة فيفهم فورا السبب ويقول بخشونة 
_ عدنان مش كدا !! 
_ ايوة مبقتش عارفة اقولها إيه تاني ياحاتم بتسأل علي باباها كل يوم وأنا زهقت .. ومقدرش اخليها تكلمه كمان أنا خاېفة يلاقينا وياخدها مني ياحاتم .. خاېفة أوي مش هقدر اعيش من غيرها
رأى الدموع المتجمعة في عيناها الجميلة ونبرتها العاجزة آثرت قلبه فلم يتمكن من الصمود أمامها حيث لف ذراعيه حولها يضمها لصدره متمتما بصوت رخيم ويداه تملس على شعرها 
_ مټخافيش أنا معاكي ومش هيقدر ياخدها منك 
سكنت بين ذراعيه للحظات قصيرة لكن عصفت بذهنها صورة عدنان وأدركت الوضع الذي يحدث الآن فابتعدت عن حاتم بهدوء وجففت دموعها تقول بجدية بسيطة 
_ يلا عشان منتأخرش
________________________________________
على الشغل 
أجابها مازحا وهو يتجه نحو السيارة 
_ نتأخر إيه بقى ما انتي مع المدير نفسه وبياجي وياخدك كمان 
سارت خلفه وهي تطرح عليه سؤالها بالإنجليزية وبنظرات ماكرة 
_ what do you mean ? . !ماذا تقصد 
تمتم يرد عليها بضحكة بسيطة 
_ nothing babe لا شيء يا عزيزتي 
استقلت بجواره في المقعد الأمامي بالسيارة والقت نظرة على ابنتها التي تنظر من النافذة بسكون تام دون أي حركة فتصدر زفيرا حارا في بؤس وتتابع الطريق من أمامها .
يمسك بيده فرشاة ويجلس على مقعد خشبي طويل مخصص للرسم وأمامه لوحته المميزة التي يعمل عليها منذ أيام طويلة بإتقان وتركيز حتى يكون الشكل النهائي لها مذهل كباقي أعماله الفنية كرس حياته منذ تخرجه من كلية الفنون الجميلة لممارسة هوايته المفضلة وهي الرسم حتى أنه افتتح معرضه الفني الخاص به والذي يأتي إليه الناس من مختلف الأماكن حتى يقتنوا لوحاته المذهلة بعدما تمكن وبفترة قصيرة أن يصنع اسمه في المجال الفني ويتصدر الصدارة .
آدم الشافعي .. الشاب اليافع الذي يبلغ من العمر خمسة وعشرون عاما كانت تتسابق الفتيات في جامعته على التقرب منه ليس لجمال مظهره وشكله فقط بل حتى لثقافته ولطفه مع الجميع وموهبته الفريدة .. لكنه لم يكن من هواة النساء والتسكع .. الأمر الذي جعلهم ينفرون منه بالنهاية بعدما يأسوا من محاولاتهم الفاشلة معه ! .
طرقت الباب عدة طرقات صغيرة قبل أن تفتحه وتدخل لتتسع على شفتيها ابتسامة عريضة .. ثم اقتربت ووقفت خلف أبنها تطالع لوحته التي لم تكتمل بعد بإعجاب شديد بينما هو فالټفت برأسه نحوها يحدقها بثغر مبتسم ليخرج همسها أخيرا 
_ إنت مش ناوي تخلصها ولا إيه ياحبيبي أنا متشوقة جدا اشوفها بعد ما تكمل 
_ هانت خلاص ياماما فاصل فيها شوية لمسات صغيرة وتبقى انتهت تماما .. بس إيه رأيك فيها 
أجابته بانبهار بعدما أعادت النظر فيها من جديد تتفحص تفاصيلها الدقيقة والمذهلة 
_ جميلة أوي يا آدم .. قولي بقى هو إمتى هيكون افتتاح المعرض
تمتم وهو يمسك بالفرشاة من جديد ويستكمل ما توقف عنده قبل دخولها 
_ خلال الاسبوعين الجايين إن شاء الله 
انحنت وطبعت قبلة على شعره ثم هتفت بحنو 
_ ربنا يوفقك ياحبيبي .. أنا هروح اعملك فنجان قهوة من اللي بتحبه عشان تعرف تبدع كدا يافنان 
قهقه بخفة وأجابها وهو يغمز لها بمداعبة 
_ ربنا يخليكي ليا ياسمسم يافهماني إنتي 
بادلته الضحك وهي تتجه نحو الباب لتنصرف وتتركه يستأنف عمله .
أسمهان الشافعي .. والدة عدنان وآدم تبلغ من العمر خمسة وخمسين عاما رغم تقدمها
في السن إلا

انت في الصفحة 2 من 216 صفحات